الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.[سورة آل عمران: الآيات 90- 91] {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (91)}..الإعراب: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ} كلام مستأنف مسوق للحديث عن اليهود الذين كفروا بعيسى عليه السلام والإنجيل بعد إيمانهم بموسى والتوراة ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن، وقيل هي عامة، وإن واسمها، وجملة كفروا لا محل لها لأنها صلة الموصول وبعد ظرف زمان متعلق بكفروا وإيمانهم مضاف إليه {ثُمَّ ازْدادُوا كُفْرًا} ثم حرف عطف للترتيب مع التراخي وازدادوا فعل ماض والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وكفروا تمييز محول عن الفاعل أي: ازداد كفرهم، وزاد يتعدى لاثنين ومطاوعه يتعدى لواحد فقط {لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} لن حرف نصب وتقبل فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بلن وتوبتهم نائب فاعل والجملة خبر إن {وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ} الواو حرف عطف أو استئنافية لئلا نحتاج إلى تقدير في عطف الجملة الاسمية على الجملة الفعلية وقيل هي للحال، والمعنى لن تقبل توبتهم من الذنوب في حال أنهم ضالون وأولئك اسم إشارة. وهم ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ ثان والضالون خبر {هم} والجملة الاسمية في محل رفع خبر اسم الإشارة أو {هم} ضمير منفصل لا محل له الضالون خبر أولئك {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ} جملة مستأنفة مسوقة لتأكيد ما تقدم وإن واسمها، وجملة كفروا صلة الموصول وماتوا عطف على كفروا وهم الواو حالية وهم ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ وكفار خبر والجملة نصب على الحال {فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا} الفاء رابطة للجواب لما في الموصول من رائحة الشرط وإنما دخلت الفاء هنا ولم تدخل في قوله: {لن تقبل منهم} لأن الفاء مؤذنة بالاستحقاق بالوصف السابق، وهنا قال: {وماتوا وهم كفار} ولم يصرح هناك بهذا القيد، ولن حرف نصب ويقبل فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بلن والجملة خبر إن ومن أحدهم جار ومجرور متعلقان بيقبل وملء نائب فاعل والأرض مضاف إليه وذهبا تمييز وقد اختلف في ناصبه اختلافا حدا بالكسائي إلى ترجيح نصبه بنزع الخافض ولعله أرجح {وَلَوِ افْتَدى بِهِ} الواو عاطفة على محذوف وسيأتي حكمها في باب الفوائد لو شرطية غير جازمة وافتدى فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف وفاعله هو وبه جار ومجرور متعلقان بافتدى {أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} الجملة برأسها خبر ثأن لان وأولئك اسم إشارة مبتدأ ولهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم وعذاب مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية خبر اسم الإشارة وأليم صفة {وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ} الواو عاطفة وما نافية ولهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم ومن حرف جر زائد وناصرين مجرور بمن لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ مؤخر..الفوائد: 1- العطف على التوهم: جعل جمهور النحاة العطف على التوهم مطردا، وهو أن تتوهم أن الأمر جار على الأصل فتعطف عليه كقول زهير بن أبي سلمى:بعطف سابق على توهم زيادة الباء في خبر ليس أي لست بمدرك ولا سابق، وقول الآخر: أي ليسوا بمصلحين ولا ناعب.2- زعم نحويو البصرة أنه نصب الذهب لاشتغال الملء بالأرض، ومجيء الذهب بعدهما، فصار نصبها نظير نصب الحال، وذلك أن الحال يجيء بعدها فعل قد شغل بفاعله فينصب كما ينصب المفعول الذي يأتي بعد الفاعل الذي قد شغل بفاعله. قالوا: ونظير قوله: ملء الأرض ذهبا، في نصب الذهب في الكلام: لي مثلك رجلا، بمعنى لي مثلك من الرجال. وزعموا أن نصب الرجل لاشتغال الإضافة بالاسم، فينصب كما ينصب المفعول به لاشتغال الفعل بالفاعل.3- استشكل جماعة من المفسرين قوله تعالى: {فلن تقبل توبتهم} مع كون التوبة مقبولة كما في الآية الأولى وكما في قوله تعالى: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده} وغير ذلك، فقيل: لن تقبل توبتهم عند الموت. قال النحاس: وهذا قول حسن، كما قال تعالى: {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن}. وقيل: الأولى أن يحمل عدم قبول التوبة في هذه الآية على من مات كافرا غير تائب، فكأنه عبر عن الموت على الكفر بعدم قبول التوبة، أو تابوا في الآخرة عند معانية العذاب، كما أشير إليه بقوله تعالى: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا} إلخ وبقوله تعالى: {فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا}.4- الواو المصاحبة للشرط تستدعي شرطا آخر يعطف عليه الشرط الذي اقترنت الواو به، والعادة في مثل ذلك أن يكون المنطوق منبها على المسكوت عنه بطريق الأولى. مثاله قولك: أكرم فلانا ولو أساء، فهذه الواو عطفت المذكور على محذوف تقديره: أكرم فلانا لو أحسن ولو أساء، إلا أنك نبهت بإيجاب إكرامه ان أساء، على أن إكرامه إن أحسن بطريق الأولى، والافتداء بملء الأرض ذهبا هو جدير بالقبول، فإن لم يقل فبطريق الأولى أن لا يقبل الافتداء بأقل من ذلك، وهذا من دقائق النكت وأسرار لغتنا التي لا تقف عند مدى. .[سورة آل عمران: الآيات 92- 94] {لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شيء فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ (92) كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًا لِبَنِي إسرائيل إِلاَّ ما حَرَّمَ إسرائيل عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرى عَلَى الله الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94)}..اللغة: {حِلًّا} الحلّ: بكسر الحاء مصدر حلّ، يقال: حل الشيء حلالا وحلا. ويستوى في الوصف به المذكر والمؤنث والواحد والجمع..الإعراب: {لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}: كلام مستأنف مسوق لبيان ما ينفع المؤمنين ويقبل منهم إثر بيان ما لا ينفع الكفار ولا يقبل منهم، ولن حرف نفي ونصب واستقبال وتنالوا فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والبر مفعول به وحتى حرف غاية وجر وتنفقوا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد حتى والواو فاعل ومما جار ومجرور متعلقان بتنفقوا وجملة تحبون لا محل لها لأنها صلة ما الموصولية. واعلم أنّ هذه الآية وردت منظومة من غير قصد، فلا تعد شعرا، لأن الشعر عند العروضيين هو المنظوم بقصد، وهذه الآية بيت كامل من مجزوء الرّمل، ويأتي على الشكل التالي: {لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبّون} وسيرد الكثير من الآيات الموزونة بغير قصد الشعر.{وَما تُنْفِقُوا مِنْ شيء فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ} الواو استئنافية وما اسم شرط جازم في محل نصب مفعول به مقدم لتنفقوا وتنفقوا فعل الشرط مجزوم والواو فاعل ومن شيء جار ومجرور متعلقان بتنفقوا فإن الفاء رابطة لجواب الشرط المحذوف بمثابة التعليل له، وقد وقعت موقعه والتقدير: فيجازيكم بحسبه ومقداره فإنه عليم بكل شيء، وإن واسمها، وعليم خبرها وبه: جار ومجرور متعلقان بعليم.{كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إسرائيل} كلام مستأنف مسوق لتفنيد تخرصات اليهود إذ قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أنك تزعم أنك على ملة إبراهيم، وكان إبراهيم لا يأكل لحوم الإبل ولا ألبأنها، وأنت تأكل ذلك وتشربه، فلست على ملته. وكل مبتدأ وجملة كان حلا خبره وكان فعل ماض واسمها هو وحلا خبرها ولبني إسرائيل جار ومجرور متعلقان بقوله: {حلا} وإسرائيل مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف والمانع له العلمية والعجمة {إِلَّا ما حَرَّمَ إسرائيل عَلى نَفْسِهِ} إلا أداة استثناء وما اسم موصول في محل نصب على الاستثناء من اسم كان المستتر وجملة حرم لا محل لها من الإعراب لأنها صلة الموصول وإسرائيل فاعل وعلى نفسه جار ومجرور متعلقان بحرم والمراد بإسرائيل يعقوب وجملة الاستثناء حالية {مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ} اختلف المعربون في تعليق من قبل والظاهر أنه متعلق بـ {حلا} لمناسبة المعنى وأن وما في حيزها في تأويل مصدر مضاف لقبل والتوراة نائب فاعل {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} الجملة مستأنفة مسوقة لقطع الطريق على جوابهم والفاء الفصيحة لأنها أفصحت عن شرط مقدر أي إذا كنتم واثقين من أقوالكم وأصررتم عليها فأتوا بالتوراة، وأتوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل وبالتوراة متعلقان بأتوا والجملة مقول القول، فاتلوها الفاء عاطفة واتلوها فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به وإن شرطية وكنتم فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط والتاء اسمها وصادقين خبرها وجواب الشرط محذوف دل عليه {فأتوا بالتوراة} {فَمَنِ افْتَرى عَلَى الله الْكَذِبَ}.جملة مستأنفة مسوقة لوصف المفترين بالظالمين والفاء استئنافية ومن اسم شرط غير جازم في محل رفع مبتدأ وافترى فعل ماض في محل جزم فعل الشرط وفاعله ضمير مستتر يعود على من، وعلى الله جار ومجرور متعلقان بافترى والكذب مفعول به {مِنْ بَعْدِ ذلِكَ}.الجار والمجرور متعلقان بافترى أو بمحذوف حال {فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.الفاء رابطة لجواب الشرط وأولئك اسم إشارة مبتدأ وهم مبتدأ ثان والظالمون خبر {هم} والجملة الاسمية خبر اسم الإشارة وهم ضمير فصل، والظالمون خبر أولئك وجملة الإشارة وما بعدها في محل جزم جواب الشرط وفعل الشرط وجوابه خبر من..[سورة آل عمران: الآيات 95- 97] {قُلْ صَدَقَ الله فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفًا وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكًا وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (96) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (97)}..اللغة: (بكة) لغة في مكة، وسميت مكة لأنها قليلة الماء تقول العرب:ملك الفصيل ضرع أمه وأمكه إذا امتص ما فيه من اللبن. وفي القاموس ما يدل على أنها سميت بذلك لأنها تمك الذنوب أي تمحوها وتزيلها. أما بكة فقد سميت بذلك لأنها تبك أعناق الجبابرة، أي تذلهم وتهلكهم. وقيل: من بكه إذا زحمه، سميت بذلك لازدحام الناس فيها. قال:هذا وقد ذكروا لمكة أسماء كثيرة منها مكة وبكة والبيت العتيق والبيت الحرام والبلد الأمين والمأمون وأم رحيم وأم القرى وصلاح والعرش والقادس لأنها تطهر من الذنوب والمقدسة والناسة بالنون وبالباء أيضا والحاطمة والرأس وكوثاء والبلدة والبنية والكعبة. .الإعراب: {قُلْ صَدَقَ الله فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفًا} كلام مستأنف مسوق للتعريض بكذبهم أي ثبت أن الله صادق فيما أنزل وأنتم الكاذبون. وقل فعل أمر مبني على السكون وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت وصدق الله فعل ماض وفاعل والجملة في محل نصب مقول القول فاتبعوا: الفاء هي الفصيحة أي إذا أردتم النجاة بعد أن ثبت لكم ذلك على الوجه الأكمل فاتبعوا، واتبعوا فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وملة مفعول به وإبراهيم مضاف إليه وحنيفا حال {وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} الواو حالية وما نافية وكان فعل ماض ناقص واسمها ضمير مستتر تقديره هو يعود على إبراهيم.ومن المشركين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر كان {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} كلام مستأنف مسوق للدلالة على أن أول مسجد وضع للناس هو المسجد الحرام ثم بيت المقدس وأول من بناه إبراهيم عليه السلام، وإن واسمها وبيت مضاف إليه ووضع فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو وللناس جار ومجرور متعلقان بوضع والجملة صفة لبيت والذي اللام المفتوحة هي المزحلقة والذي اسم موصول في محل رفع خبر إن وببكة جار ومجرور متعلقان بمحذوف لا محل له لأنه صلة الموصول {مُبارَكًا وَهُدىً لِلْعالَمِينَ} مباركا حال من اسم الموصول أو من الضمير المستكن في متعلق الجار والمجرور وهدى عطف على مباركا وللعالمين جار ومجرور متعلقان بهدى أي هاديا لهم {فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف في محل رفع خبر مقدم وآيات مبتدأ مؤخر وبينات صفة لآيات والجملة مستأنفة لبيان بركته وهداه، ومقام مبتدأ خبره محذوف أي منها مقام إبراهيم أو خبر لمبتدأ محذوف تقديره أحدها أي أحد تلك الآيات البينات مقام ابراهيم والجملة استئنافية.وسترى في باب الفوائد مناقشة طريفة وما أوردناه هو الأولى {وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِنًا} الواو استئنافية ومن شرط جازم في محل رفع مبتدأ ويجوز أن تكون موصولية ودخله فعل ماض في محل جزم فعل الشرط والفاعل هو والهاء مفعول به على السعة أو منصوب بنزع الخافض وقد تقدم إعرابه وكان فعل ماض ناقص في محل جزم جواب الشرط واسمه هو وآمنا خبر كان وفعل الشرط وجوابه خبر من الشرطية والموصولة {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} الواو استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة لفرض الحج والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم وعلى الناس جار ومجرور متعلقان بما تعلق به الخبر وهو {للّه} وحج مبتدأ مؤخر والبيت مضاف إليه ومن اسم موصول في محل جر بدل من الناس بدل بعض من كل أو اشتمال والضمير محذوف أي منهم وأعربها بعضهم فاعلا بـ {حج} وفيه نظر يأتيك تفصيله الممتع في باب الفوائد، وجملة استطاع صلة الموصول وإليه جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة لسبيلا فلما تقدمت عليه أعربت حالا {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ} الواو عاطفة ومن اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ أو اسم موصول وكفر فعل ماض في محل جزم فعل الشرط وفاعله هو والفاء تعليل لجواب الشرط المقدر أي فلن يضر الله فان الله عنه غني، وعلى كل حال فالجملة لا محل لها من الإعراب لأنها صلة الموصول وفعل الشرط وجوابه خبر وإن حرف مشبه بالفعل والله اسمها وغني خبرها وعن العالمين جار ومجرور متعلقان بغني..الفوائد: 1- للنحاة كلام طويل اشتجر فيه الخلاف بينهم وشايعهم المفسرون فهاموا في كل واد، حتى كاد يفوتهم المراد، ولو أنهم جنحوا إلى السهولة لاختاروا الوجه الذي اخترناه فأراحوا واستراحوا، ولكنهم خاضوا في القول واستغلوا طاقاتهم النحوية القوية، فأتوا في مناقشاتهم بالممتع المطرب، وسنعرض لك هنا خلاصة عن تلك المناقشات لتكون تسجيلا تاريخيا لاشتجار الآراء وشاهدا لموضوعية الفكر.قال الزمخشري: مقام: عطف بيان من آيات، ورد عليه النحاة فقالوا: أنه خرق لإجماع النحاة الذين قرروا أن النكرة لا تبين بالمعرفة وجمع المؤنث السالم لا يبين بالمفرد المذكر. وقالوا: لا يجوز أن يكون بدلا من آيات لأنهم نصوا على أن المبدل منه إذا كان متعددا وكان البدل غير واف بالعدة تعين القطع. ورد عليهم أنصار الزمخشري بأنه أي الزمخشري كان مجتهدا فلا يبالي بمخالفة الإجماع.وابن جني أجاز خرق الإجماع:وقال ابن جني: أنه يجوز خرق الإجماع في الفنون الأدبية.ما يقوله جلال الدين السيوطي:وقال الجلال السيوطي في حاشيته على البيضاوي ما نصه:قوله: مبتدأ محذوف خبره، أي أحد الوجوه في {مقام} قال الشهاب الحلبي: وهو المختار. وقال الزمخشري هو عطف بيان ورد عليه بأن {آيات} نكرة و{مقام إبراهيم} معرفة، ولا يجوز التخالف في عطف البيان بإجماع البصريين والكوفيين. وقال الصفاقسي: يحتمل أن يكون الزمخشري أطلق عطف البيان وأراد به البدل كالجماعة تسمحا، وكذلك قال ابن هشام في المغني: قد يكون عبر عن البدل بعطف البيان لتآخيهما. ويؤيده قوله في {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} أن {من وجدكم} عطف بيان لقوله: {حيث سكنتم} وهذا سيبويه إمام الصنعة يسمي التوكيد صفة، وإنما نقلنا هذا الكلام وهو غيض من فيض- للاستمتاع وترويض الذهن، وقد أغنانا إعراب {مقام} مبتدأ خبره محذوف أو خبر لمبتدأ محذوف عن كل هذا التطويل.2- المناقشة الثانية في {من استطاع}:ما ارتئيناه من إعراب {من} بدلا من {الناس} هو المختار، وقال بعض النحاة: {من} فاعل حج لأنه مصدر يعمل عمل فعله، والمصدر مضاف إلى مفعوله. ورد النحاة عليه بأنه يجب على الناس أن يحج مستطيعهم، وذلك باطل. وأجاب التاج السبكي عن ابن السيد فقال: ولا مانع من أن يكون في الحج شيئان: فرض كفاية على كل الناس أن يحج مستطيعهم فإن لم يحج أثم الخلق كلهم، وفرض عين على المستطيع. ولا حاجة إلى كل هذا التكلف، والاخذ والرد. وذلك بإعراب من بدلا من الناس، فتأمل والله يرشدك.هذا وقد أعرب الكسائي من شرطية في محل رفع مبتدأ وجوابها محذوف والتقدير: من استطاع فليحج أو فعليه أن يباشر الحج بنفسه.
|